كان قرار الرفض من هيئة المنافسة البريطانية لاستحواذ شركة مايكروسوفت على Activision Blizzard صادم على الجميع.. ولكن المفاجأة الأكبر كانت حول سبب هذا الرفض الغير متوقع، والذي تمحور حول “اللعب السحابي” وهذا ما سنبحر فيه عميقا من خلال هذه المقالة في محاولةً منا لفهم الدافع من وراء رفض الـ CMA لصفقة الاستحواذ الأكبر في التاريخ.
التحول الوشيك!
أولا علينا أن نعلم ان عصر اللعب السحابية قادم لا محالة بنسبة 99%، قد لا نستوعب هذا التحول حاليا، إلا أن الشركات تدركه جيدًا ويغفله المستهلك العادي. لدرجة أن تتسابق عليه شركات لا علاقة لها بالصناعة، مثل Google مع خدمة Stadia سابقا، أو Amazon مع خدمة Amazon Luna وكثير من الأمثلة.. وليس الشركات فحسب، بل امتد أيضا الى الأفراد.. حيث ستجد تطبيقات لعب سحابي كثيرة على الجوال لم تسمع بها من قبل.
الجميع يريد أن يضع بصمته قبل التحول الوشيك
وبما أن التجارة تعتمد استغلال الفرص، فمحاولة وضع بصمتك منذ الآن تضمن لك تذكرة الدخول للصناعة قبل أن تكتسحها شركة عريقة بالمجال وتغلق باب المنافسة.. لذا الخسائر في هذه الحالة هي مجرد “معيار” يُقاس به مدى قابلية دخول هذا السوق ولا يعتبر فشل حقيقي.
نماذج مثل Stadia لا يعتبر فشلها بالأمر الصادم.. بل كان الفشل ضمن حساباتها قبل الدخول الى سوق جديد بالنسبة لجوجل، ولم تخرج منه خالية الوفاض فقد كسبت من خلالها خبرة قد تسخرها مستقبلا لتحسين تجارب الألعاب في خدماتها مثل الـ Youtube وأيضا يفتح لها باب جديد من الأفكار الابداعية التي قد تعود عليها بالربح!
سيناريو غير متوقع!
التحول السحابي يعني أيضا اكتساح شركات لم نتخيلها قط أن تدخل هذا السوق، مثل SpaceX.. نعم! ما لا تتخيله قد يحدث، إحدى الشركات التابعة لإمبراطورية الملياردير إيلون ماسك “SpaceX” قد تبدأ بفرض سيطرتها على صناعة الألعاب وتغيير قواعده مع خدمة “Starlink” وذلك بتقدميها حلول (الانترنت عبر الأقمار الصناعية)، والذي من شأنه أن يوسع انتشار وصول الخدمات السحابية الى شتى بقاع الأرض، ودمج خدماتها مع خدمات اللعب السحابي في باقة واحدة والتحكم بزيادة تكلفته، والكثير من الاحتمالات الغير متوقعة.
لك أن تتخيل عزيزي القارئ عدد الشركات التي تخطط في الخفاء لهذا التحول الوشيك، منتظرةً اللّحظة الحاسمة لتبدأ بالكشف عن أنيابها في عصر “سحابي” سيمتد الى مئات السنين!
خطة Xbox Game pass ومستقبل علامة الـ Xbox والأجهزة المنزلية
عهدنا من شركة سوني دوما أن تتسابق مع المستقبل في رؤيتها لتقديم أكثر الأفكار والتقنيات ابتكار، مما يضعها دائما في مقدمة المنافسة.. هذا ما تعلمته مايكروسوفت مؤخرا، فبدلا من التركيز على الحاضر فقط، وجه عملاق التقنية رؤيته نحو علامة الـ Xbox الى مستقبل أكثر اشراقا من حاضره.. ولكنه مُكلف بكل تأكيد.
صبت مايكروسوفت كامل تركيزها في نقل علامة Xbox الى التوجه السحابي عن طريق خدمة Game pass، وهذا ما صرحه أيضا “فيل سبينسر” ولمّح إليه في كثير من المناسبات.. بأن الاكس بوكس أصبحت تنافس المستقبل!
وذلك بجعلها لخدمات الـGame pass قابلة للوصول على جميع الأجهزة الذكية، ومؤخرا في منتصف عام 2022 تم طرح الخدمة عبر الشاشات الذكية Smart Tv! ولم تقف هنا.. بل وصلت الى اتاحة الخدمة عبر المتصفح أيضا!
ما الذي تنوي مايكروسوفت الوصول اليه؟
Netflix! نعم، توجه نتفليكس هو مستقبل علامة الـ Xbox! على أن تكون متاحة الوصول لجميع فئات المجتمع، ولتحقيق هذا المنال جعلت مايكروسوفت من Xbox Game pass حجر الأساس وكثفت الجهود حوله بالاستحواذات على الأستوديوهات العريقة وجلب حصرياتها من اليوم الأول الى خدمتها تعزيزًا لمكانتها، مع تحمل الخسائر الناتجة مبدئيا لتوجيه الضربة الأخيرة!
ألن يكلفها هذا الكثير؟
بالتأكيد! ولكن ما ستجنيه من ثمار هذه التضحية مضاعف. تعتبر مايكروسوفت من كبرى الشركات بالقيمة السوقية، لذا طموح شركة كهذه لن يكون طموحا عاديا.. هذا ما نستنتجه من تخصيص رأس مال هائل يصل الى 70 مليار دولار.. ويدل هذا فقط على حجم العوائد التي ستحصدها من نجاح هذا المخطط على المدى البعيد..
مخطط خبيث؟
جلب الألعاب الى خدمة Game pass يضع معيارًا مهمًا، وهو تضمينها في الخدمة السحابية “Xbox Cloud Gaming” وهذه ورقة مايكروسوفت الرابحة التي تتحمل خسائرها لأجل تحويل علامة الـ Xbox الى خدمة سحابية متاحة للجميع مثل “نتفليكس”.
تصرح مايكروسوفت دائما بأن الاستحواذات على شركات الألعاب لا يعني أنها “ستحصر” ألعابها على منصتها فقط.. بل وأنها تعزز دائما من فكرة تعدد المنصات.. وهذا بالواقع صحيح. لكن التساؤل الأكبر يكمن في أن مايكروسوفت لم تتحدث إطلاقا عن إتاحة هذه الألعاب على خدمات سحابية أخرى عدى “Xbox Cloud Gaming”.
مايكروسوفت تعتزم حصر الألعاب على منصتها السحابية فقط!
فعالية هذه الخطة لن تنجح الا في عصر يسوده اللعب السحابي، ولا أقصد أي تحول.. بل تحول كامل لملايين اللاعبين الى “اللعب السحابي” والتخلي عن المنصات المنزلية والـ PC. هذا ما تحاول علامة Xbox أن تدركه منذ الان حتى ومع الكثير من التضحيات.. فضلا على أن تترك المجال ليكتسح هذا السوق المحتم أمره علامة كبيرة مثل Playstation.
هل بدأت تدرك عزيزي القارئ موقف الـ CMA من الرفض؟
قرار رفض هيئة المنافسة البريطانية CMA على استحواذ Activision
هيئة المنافسة البريطانية أدركت أن عصر اللعب السحابي قادم لا محالة في المستقبل القريب، وأدركت أن المتحكم في توجه هذا العصر ستكون له اليد العليا.. وبناءً على ذلك قدمت أكثر سبب منطقي للرفض على استحواذ Activision.. وهو أن تلك الألعاب سيتم حصرها على خدماتها السحابية فقط.
لكن لنعد قليلًا الى الوراء.. حين أعلنت مايكروسوفت وبشكل مفاجئ أثناء دراسة الـ CMA لصفقة الاستحواذ، بالتعاقد مع Nvidia لجلب خدمة جيم باس على منصتها السحابية “Geforce Now”! لا شك أن تزامن وقت عقد هذه الصفقة مثير للريبة، ولا شك أيضا انه تم خداعنا جميعا بهذه الصفقة أن مايكروسوفت أتاحت عناوينها على خدمة سحابية أخرى غير “Xbox Cloud Gaming”!
ولكن بالواقع خدمة Geforce Now هي عبارة عن منصة “عبور” فقط وليست مستقلة، تتطلب منك شراء اللعبة على منصة أخرى مثل Steam ثم ربط حسابك مع الخدمة لتقوم ببث اللعبة فقط. وجلب الـ Game pass الى خدمة Geforce Now يمشي أيضا على نفس النهج.
بالطبع أدركت الCMA بذكاء هذا السيناريو الخبيث، وتفاجأنا من بعدها بفترة قصيرة بقرار الرفض للصفقة!
ما هو حجم الضرر من الصفقة؟
ما أن يبدأ التحول السحابي الكامل وتفقد المنصات المنزلية قيمتها.. حتى ترتقي Game pass الى القمة مع ترسانة ضخمة من حصريات الاستوديوهات المستحوذ عليها، مدعومة بخبرة مايكروسوفت العريقة في المجال التقني والسحابي لتوفير خدمة لعب سحابية لا منافس لها!
ضرر نجاح هذه الخطة قد يتسبب بقتل المنافسة بشكل قاطع.. وخدمة ك Playstation Plus لن تعود قادرة على المواجهة في عصر يسوده الخدمات السحابية. وهذا غالبا ما استنتجته الـ CMA من صفقة الاستحواذ على Activision.
