أصبحت ألعاب الفيديو خلال هذا العصر أكثر من مجرد وسيلة ترفيهية، فهو عالم يمزج بين الفن والتكنولوجيا والأخلاق الحميدة والنبيلة، يمكن لهذه الصناعة أن تلعب دوراً مهماً في نقل القضايا الاجتماعية والسياسية إلى الجماهير وواحدة من هذه القضايا الحيوية هي قضية المسلمين والعرب جميعاً.. فلسطين.
لقرون عديدة تعرض الشعب الفلسطيني لحروب وتهميش وتمييز عنصري مستمر وظروف صعبة، وكان يجب أن تكون القضية الفلسطينية محور اهتمام المجتمع العالمي لأحقيتها في ذلك وإنصافاً لها وهو ما لم يحدث إطلاقاً، بل تم الاستمرار في نشر رواية البطل الغربي وسيمفونية معادات السامية في كل المجالات الترفيهية.
في مقالتنا هذه “ألعاب دعمت أرض حيفا” سنسلط الضوء على ألعاب فيديو جسدت هذهِ المأساة من خلال هذه القضية الإنسانية الملحة، والتي تحاكي الوضع الحالي في قطاع غزة، المكان الذي لا يزال يشهد حروباً واعتداءات من الصهاينة بشتى أنواع الظلم من حصار اقتصادي وقتل الأطفال والأبرياء.. اسمحوا لنا أن نبدأ بأبيات شعرية بقلم أحد أشهر شعراء بلاد الرافدين.
فقلتُ وقد أُخذتُ بسِحر يافا.. واترابٍ ليافا تُستطاب
فلسطينٌ ونعمَ الأمُ هذي.. بَناتُكِ كلُها خوْدٌ كَعاب
أقَّلتني من الزوراءِ رِيحٌ.. إلى يافا وحلَّقَ بي عُقاب
بهذه الكلمات وصفَ نهر العراق الثالث وشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري رحّمه الله اشتياقه وآلامه لـ أرض يافا قائلاً “ليتني لم أزرها” لما شهدت عيناه من جمال إدلب الخضراء، القلب النابض، الأرض المعطاء، سيدة الخراف والصوف وقلب الإله.. هذهِ الأرضُ التي يهفو النجم حباً بها ويغازل الشمسُ الضباب بها وهذهِ الأرض التي يرقص الجو على سناها بها.. قد شهدت مواجع غطى حِجابٌ من الدمع الضليل عليها ونتيجةً لهذهِ المواجع بَزُغت لنا ألعاب عربية تَقص علينا حكايات من أرض كنعان..
تحت الرماد
في التاسع والعشرون من تموز عام ٢٠٠١ صدرت أول لعبة عربية ثلاثية الأبعاد من تطوير استوديو “أفكار ميديا” ومن نشر “دار الفِكر” في سوريا، تتناول اللعبة بشكل كبير انتفاضة الحجارة وهي الانتفاضة الفلسطينية الأولى من عام ١٩٨٧، تتميز برسومات جيدة جداً نظراً لوقت صدورها وبقصة رائعة تحاكي أرض حيفا، كل هذا تم نسجه بإمكانيات محدودة جداً ورغم الهجوم على موقع اللعبة الرسمي من قبل الاحتلال إلا أن مطوري اللعبة قرروا المضي قدماً بدعمها وبناءً على محبة الناس لها تم العمل على الجزء الثاني لها باسم “تحت الحصار” من عام ٢٠٠٤ والتي تناولت مذبحة الحرم الإبراهيمي عام ١٩٩٤ حيث ذهب ضحيتها ٢٩ شهيداً مصلياً وجُرحَ ١٥ شخصاً، شهد الجزء الثانية نقلة رسومية عن جزئها الأول وقدم قصة من خلال أربع شخصيات مختلفة من ضمنهم الطفل “مَعْن” الذي حاول رجم دبابة الاحتلال بالحجارة متأملاً مرور سيارة الإسعاف ولينتهي به المطاف شهيداً .. تجربتها مؤلمة ومميزة وتحاكي واقع الأراضي المحتلة.
ليلى وظلال الحرب
قدم لنا “رشيد أبو عيده” قصة واقعية جسدت ويلات الحروب التي تعاني منها أرض كنعان، تم نسجها من خلال قصة ليلى التي تحاول الهروب مع عائلتها من الهجمات المسلحة في قطاع غزة، فليس هناك مكان للاختباء أو القيام بأي شيء سوى الخروج من المنزل من خلال رحلة بطولية إلى مكان أكثر أماناً، رسومات اللعبة شبيه بلعبة LIMBO بتصميم مظلم يحاكي ظلمة أحداثها، تتميز اللعبة بعدم وجود موسيقى وكبديل لذلك لن تسمع سوى صوت الهلع والصراخ والرصاص وذلك بحد ذاته تجسيد رائع من مطور اللعبة ليعطي للعبة واقعية مطلقة، فاللعبة قصة مؤلمة أكثر من كونها لعبة.
فرسان الأقصى
يمكن تشبيهها بأنها النسخة العربية من Call of Duty، هذه اللعبة مثل مشاهدة معظم أفلام الاكشن المجنونة في الثمانينات لما تحتويه من جو مليء بالمغامرة والحركة وأنت تقاتل جنود الاحتلال محاولاً إنقاذ الرهائن، رغم وجود جوانب سلبية في اللعبة من ضمنها الذكاء الاصطناعي إلا أن الجو العام للعبة يحافظ على وتيرته ولا يفسد التجربة بل العكس تماماً فهو يعطي فرسان الأقصى سحراً جميلاً.. ربما تكون لعبتنا بعيدة عن كونها لعبة مثالية ولكنها مشوقة على نحو مستمر وبالتأكيد تستحق وجودها في القائمة.